مقالات

صحافة يقودها عدّاد الزيارات

تالا حلاوة

بينما يصدر العالم بأسره تقارير وإحصائيات حول الفجوة الرقمية – وهي الفجوة التي تفصل المتصلين بالانترنت عن غير المتصلين به – نجد في العالم العربي وفي فلسطين تحديداً عدداً كبيراً من المروّجين للمواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي على أنها الخلاص الأخير لما قد تحول إليه وسائل الإعلام أجمع.

ينسى هؤلاء أن وجودهم على الانترنت وعلى فيسبوك وغيره، لا يعني بالضرورة وجود كافة سكان العالم على الشبكة، وذلك لعدّة اعتبارات، منها اقتصادية وسياسية واجتماعية. ليس في الدول النامية فحسب، بل في كافة دول العالم.

قبل كل شيء، لنتحدّث بالأرقام – كما يهوى العاملون في التسويق – :

  1. وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن 4 بلايين شخص في العالم غير متصلين بالانترنت، بينما عدد سكان العالم هو 7.4 بليون، أي أن نحو 53% من سكان العالم ليسوا على الشبكة.
  2. 58.4% من سكان الوطن العربي غير متصلين بالانترنت، وذلك وفقاً للاتحاد الدولي للاتصالات ITU في تقريره لعام 2016. (الرسم أدناه)
  3. الإعلام صناعة كغيره من الصناعات. سوق يحتاج لضخ الأموال والموارد البشرية. لكنه ليس صناعة استهلاكية فحسب، بل صناعة فكرية تؤسس لمنهجيات اجتماعية واقتصادية وسياسية.

العلاقة الجدلية التي تجمع الإعلام بالإعلان ليست حديثة بلا شك، هي تتغير بتغيّر الأدوات ومفاهيم الإعلام “الأفضل” و”الأكثر مهنية” وفقاً لتطور هذه الصناعة وانتشار أفكار المنظّرين من العاملين فيها والدارسين لها.

في الآونة الأخيرة شغلت عناوين الأخبار “الجذاّبة” بال الصحفيين القلقين على مهنيتهم. فبات عدّاد الزيارات للمواقع الالكترونية الإخبارية يشكّل تحدياً يومياً. فالصحفي يسعى للوصول إلى الجمهور بمهنية عالية تضمن أولاً وأخيراً تقديم المعلومة، ولكنه أيضاً أصبح محطّ مساءلة عن عدد الزيارات لصفحته في اليوم والساعة والتي تشكّل أساساً حاسماً في قرار المعلن حول الموقع الالكتروني.

هذه الأرقام والإحصائيات عن مدى تفاعل المستخدم مع موقع الكتروني محدد تشكل الآن مقياساً إحصائياً يصف العلاقة مع الجمهور كأرقام دون الاكتراث بالمحتوى وتأثيره على الفرد والمجتمع، لكنها كذلك وضعت محددات جديدة لهذا السوق الذي يحتاج إلى أموال المعلن لتستمر عجلة الإنتاج.

الصورة الجاذبة والعنوان المثير هما الآن نقطة الخلاف بين العاملين في الصحافة والعاملين في التسويق، ورغم أن الكثير من وسائل الإعلام انصاعت لهذه المعادلة المجحفة، إلا أن البعض يحاول الاعتدال في تنفيذها.

يسعى العاملون في التسويق للحصول على إحصائيات مغرية لبيع المزيد من الإعلانات، بينما يحلم الصحفي بأن يربح متابعة الجمهور لأجل المحتوى القيّم بعيداً عن الإثارة والمبالغة.

ورغم أن التقارير آنفة الذكر تظهر أن الجمهور ليس متصلاً بالشبكة بشكلٍ مطلق، نرى أن الإعلام أصيب بهوس التسويق الالكتروني وما عاد يهتم بمهامه الأخرى والتي تعود في أساسها لفعلٍ واحد، الإخبار.

هذه الجوانب كافة، المستحدث منها والقديم، لا يلغي أحدها الآخر. لكن استثمار الأموال والبشر باتجاه واحد سيجعل الصحفي والمعلن يدوران في حلقة مفرغة تعمل على تهميش أكثر من نصف الجمهور وعدم استغلال كافة أدوات الاتصال المتاحة.

وبين دور الإعلام في الارتقاء بالذائقة العامّة وبين دوره في تلبية رغبات الجمهور التي يظن المسوّقون أنها تنصبُّ في الإثارة، يبقى إهمال دراسات الجمهور شاهداً على الفوضى في السوق.

فتتحكم الانطباعات الشخصية للعاملين في المجال بالسوق المحلي دون الارتكاز على قاعدة مفاهيمية علمية.  بينما دراسة الجمهور ودوافعه للضغط على رابط إلكتروني تسهم في تقديم أولويات مهنية مبينة على أسس غير عشوائية وتهم كل من الصحفي ومدير التسويق على حد سواء.

ومع الانحياز التام لضرورة التزام وسائل الإعلام بأنواعها على معايير المهنية وتقديم المعلومة أولاً، يلقي السوق مهمة الترويج الذكي للأخبار على عاتق الصحفي بدلاً من تحميل وزرها للعاملين في التسويق، فلا ينجح الأول في أداء مهامه الصحفية ولا ينجح الأخير بجذب المعلن.

المستهلك – أي الجمهور في هذه الحالة – هو العنصر الأهم لضمان استمرارية الإنتاج ولكافة وسائل الإعلام الحديث منها والتقليدي. فلم تعد دراسة الجماهير محصورة بمقالات أكاديمية يطّلع عليها طلبة التسويق والصحافة في سنتهم الجامعية الأولى. بل هي حاجة ملحّة لتنظيم العلاقة بين هذه الحقول وتقديم أساليب أفضل لاستغلال الأدوات الحديثة في المجالين لضمان الوصول لكافة الناس، المتصلين بالانترنت وغير المتصلين به على حد سواء.

  المصدر: 24FM